الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
فإنه في كل زمان تحدث فتن ومصائب، وعند الفتن يتمحص إيمان المؤمنين، ونفاق المنافقين، ولا ريب أن من صور الفتن في عصرنا: الدعوة للاختلاط في المدارس والجامعات.
ولأجل البيان ونصحاً لأمة الإسلام كتبت بعض الأدلة والنقاشات حول الإختلاط وهذا إجتهاد دل عليه العقل وجرى به القلم، والتوفيق بيد الرب الكريم.
1= يقول تعالى مخاطباً الصحابة رضي الله تعالى عنهم في سؤالهم لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].
فإذا كان مجرد السؤال والخطاب مع المرأة جاء الأمر فيه بلزوم وجوب الحجاب فكيف إذن يكون جرم الإختلاط والإقتراب لمدة ساعات في قاعة واحدة.
2= يقول تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59].
فتأمل: إذا كان مجرد كشف الوجه الذي هو وسيلة المعرفة للمرأة محّرم فكيف إذا كان مع كشف الوجه قرب الجسد ومخالطة الجنسين في مكان واحد ومعه في الغالب عناية باللباس والروائح ووسائل الجذب؟
3= إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للنساء الطاهرات في عصر النبوة لما خرج من المسجد: «إستأخرن فليس لكن أن تتحققن الطريق» السلسلة الصحيحة 856 من أجل المباعدة بين الجنسين، فكيف نرضى بالإختلاط الذي من لوازمه مخالفة هذا المعنى بسبب القرب بين الجنسين؟
4= إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من فتنة النساء في زمنه مع قلة وسائل الإفتتان من ملبس أو عطور أو أدوات للزينة، فكيف لو رأى نساء هذا الزمان؟
5= إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم جعل النساء في الصلاة يكون صفهن في آخر المسجد مع أن حال الصلاة هو حال عبادة والإفتتان في حال أبعد، فكيف بالإختلاط المنظّم؟.
قال الإمام النووي رحمه الله: وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال وذم أول صفوفهن لعكس ذلك. شرح صحيح مسلم ج 4، ص 159.
6= إذا كان الإسلام أمر ولي الأمر الأب بأن يفرِّق في النوم بين الأبناء كما في الحديث «وفرقوا بينهم في المضاجع» صحيح سنن أبي داود للألباني 495.
مع أن النوم لا يشعر فيه المرء بما يجري حوله، ولكن سداً للذريعة ومباعدة لدواعي الفتنة، فكيف يكون حال الشاب إذا كان معه في نفس القاعة ومحيط المبنى فتيات يجلبون الفتنة بلبسهن أو جمالهن؟!.
7= أليس في الإختلاط مفسدة النظر المحرم وربنا أمرنا بغض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] فإذا كان غض البصر واجب فهل الإختلاط يقوي هذا الواجب أو أنه يُسِّهل التفريط به، وفي الحديث: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر» رواه البخاري 6243.
8= إذا اتفقنا أن الزنا من كبائر الذنوب فلا شك أن الإختلاط وسيلة تقرب منه، والقاعدة في الشريعة -الوسيلة إلى الحرام حرام- وفي التنزيل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32] ولا أظن أن أحداً يزعم بأن الإختلاط لا يؤثر في الجنسين.
9= هل سيكون مع الإختلاط مصافحة لا ريب أنه سيكون -ولو بعد زمن- والنصوص حرمت ذلك، ورسولنا تقول عنه زوجته عائشة رضي الله عنها: «والله ما مست يده يد امرأة قط» صحيح البخاري 2711. بل جاء الوعيد الشديد «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحل له» صحيح الجامع 5054.
10= يا ترى في أوقات الفراغ بين المحاضرات أليس هناك لقاء بين الشباب والفتيات؟! بلى، فكيف سيكون؟! وبأي وجه شرعي نبيح لهم ذلك وما أضراره؟!.
وهل سيكون لبس الطلاب والطالبات في أجمل صورة أم أنه سيكون سيئاً؟! بالطبع لا، والجمال في الملبس يدعو إلى ماذا؟!.
11= يا ترى هل المجتمعات الغربية أو العربية وجدوا في الإختلاط إرتقاء في التقنية والتقدم العلمي والمعرفي، أم أن نصوص العقلاء منهم تحذر من الإختلاط.
في دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الإجتماعي في بون بألمانيا تبين منها: أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية، وهم محدودو المواهب، قليلو الهوايات، وأنه على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد غير المختلطة، والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر عن الإبداع والإبتكار، الغرب يتراجع عن التعليم المختلط.
12= لو قيل لأحد الآباء الباحثين عن الثقافة والعلم والتقدم هل تسمح لابنتك أن تتناول وجبة غداء مع ابن عمها في أحد المطاعم القريبة من المنزل وسيعيدها السائق بمفردها إلى المنزل؟!.
لا شك أنه سيرفض، مع أن المطعم فيه زوار آخرين وليس إنفراد حقيقي، إن هذا ما يجري في الجامعات المختلطة، جلسات وحوارات ولقاءات.
13= هل هناك ساعات فراغ بين المحاضرات؟! بالطبع نعم. فيا ترى أين ستكون الفتاة؟! وأين سيذهب الشاب؟! أليس هذا الإختلاط من دواعيه الإلتقاء في الساحات والأماكن الأخرى.
14= عند الإختلاط سيكون بلا شك تبادل الحديث بين الطرفين، وفي الإستماع فتنة كما في النظر فتنة، وقد تلين المرأة في القول مع الرجال وربنا يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، وإذا طمع الذي في قلبه مرض فهنا تكمن المصيبة.
15= الإختلاط بلا شك إما أن يقوي دواعي الشهوة لدى الطرفين أو أنه ليس له أي علاقة بالشهوة، والعاقل المنصف يدرك أن الشهوة لها ما يثيرها، ومن أعظمها الإختلاط وما يصاحبه من نظرات وتأملات.
16= لو قلنا بجواز الإختلاط في المدارس والجامعات فهل ستكون المرأة في الجامعة بكامل حجابها وتغطي وجهها أم أنها ستكشف الوجه؟!.
وإذا كشفت الوجه فهل سيكون هناك إظهار للزينة بالمكياج والعطور ونحو ذلك أم أن الطالبة ستكشف الوجه كما هو بلا زينة وجمال؟!.
فإذا تزينت فلمن تتزين؟! للمدرس أو للطلاب؟!.
وهل يرضى ولي أمرها بذلك؟.
لا أظن أن الآباء العقلاء سيوافقون على ذلك؟.
17= ألا يساهم الإختلاط في الإنحراف العاطفي تجاه الطرف الآخر والميل له، فمن طبيعة الرجل الميل للمرأة والعكس كذلك؟ وكم جرّ الإنحراف العاطفي من آثار لاتسّر الصديق والقريب.
18= إلى كل طالبة ترضى بالإختلاط وتطمئن له: يا ترى أين الحياء من مقابلة الرجال؟!.
هل زالت معاني العفة؟ أنسيت أن أمهات المؤمنين كانوا على حجاب وحياء وعفاف؟
19= يا أختنا: أنشد الإيمان الذي في قلبك أيسهل عليك أن تجلسي في مكان يحيط به الرجال من كل جانب.
إن التعلم والتعليم له قدره ومكانته وله مصادره التي يمكن الوصول إليها بدون الإختلاط.
احذري يا أختنا فالفتنة نزلت والموت يأتي بغتة، والحساب بين يدي الله عسير.
20= من أقوال العلماء في التحذير من الإختلاط:
قال ابن القيم رحمه الله: ولا ريب أن تمكين النساء من إختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة.
ويقول سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: إن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الإختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ، لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر -فتاوى ورسائل سماحته10/12، 13.
وفي جواب على سؤال طالب في إحدى الجامعات العربية عن حكم الإختلاط بالتعليم قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: فكيف يسوغ لمدير جامعة.... هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله أن يدعو إلى الإختلاط ويعلم أن الإسلام دعا إليه وإن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم والبون شاسع لمن عقل من الله أمره ونهيه وعرف حكمته سبحانه، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع التبرج ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الذي أراه أنه لا يجوز الإختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي أو بعمل في قطاع خاص أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الإختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء للمرأة وزوال الهيبة للرجال، لأنه إذا إختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجل من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال -فتاوى إسلامية 3/ 93-94.
21= من أقوال الغرب في التحذير من الإختلاط:
صرح الرئيس الأمريكي السابق كنيدي عام 1962م بالأضرار المترتبة على عدم تطبيق نظام الفصل بين الجنسين في قوله: إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد منهم ستة غير صالحين، وذلك لأننا سعينا لإباحة الإختلاط بين الجنسين في الجامعة بصورة مستهترة مما أدى إلى إنهاكهم في الشهوات.
وفي عام 1998م قدمت السناتور الأمريكية كي بيلي قانون المدارس والجامعات غير المختلطة، ومما قالت فيه: أداء الأولاد يكون جيداً في البيئة التي يوجد فيها الأولاد وحدهم، وذلك نتيجة لعدم إنشغالهم بالبنات، وبنفس القدر يكون أداء البنات جيداً وتزداد ثقتهن بأنفسهن.
وفي بريطانيا أشارت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين إلى أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة الطالبات الحوامل وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدارسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والإعتداء على الفتيات بنسب كبيرة.
وفي استراليا أجرى المجلس الأسترالي للبحوث التربوية دراسة لمدة ست سنوات لمقارنة أداء أكثر من 270.000 طالب وطالبة، تبين من خلالها أن طلاب وطالبات التعليم المنفصل تفوقوا أكاديمياً وسلوكياً على طلاب وطالبات التعليم المختلط.
وقالت الكاتبة الشهيرة اللادي كوك: إن الإختلاط يألفه الرجال، وعلى قدر كثرة الإختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وهنا البلاء العظيم على المرأة.
وقالت لاديكون: علّموا النساء الإبتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد.
وعن التعليم المختلط نشرت مجلة الأسرة في عددها 149 الصادر في شعبان 1426هـ ملفاً كاملاً، من عناوينه: في أمريكا بلغ عدد الكليات التي تقتصر على البنات 60 كلية.
22= هل هناك فوائد من عدم الإختلاط، فالجواب:
قال د بكر أبو زيد رحمه الله تعالى: وليعلم الجميع أن في منع الإختلاط عدة مصالح وفوائد:
* حفظ العرض.
* طهارة القلوب.
* مكارم الأخلاق.
* حفظ العفاف.
* قطع الأطماع والخواطر الشيطانية.
* حفظ الحياء لكلا الطرفين.
* حفظ الغيرة.
23= من القلب: هل في الجامعات والمدارس المختلطة لجان تربوية وإشرافية على هذا الإختلاط.
24= من الروح: هل هناك لجان دعوية وإرشادية للأمور الشرعية والآداب الإسلامية.
وختاماً: أسأل ربي أن يحفظ أعراضنا وأن يحفظ للمرأة كرامتها وسيادتها وأن يهدي من خالف السبيل والدليل.
المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.